بقلم *سلوى بنشباني* ” دون نسيان أن أرفع مميزات الزمن هي *النسيان*، لكن أحيانا يقف العجز عائقا، حيث يمكننا أن ننسى الشخصية المؤذية و لا ننسى الأذى الذي…..

حقيقة تحت أنقاض الكذب…

لا يمكن للفرد نكران مدى صعوبة الحياة من حيث المسار، فعند كل منتهى طرق، تبدأ طرق أخرى، الأمر بما فيه أننا رأينا فقط نقطة التلاشي و ظننا أنها النهاية، لكن لكل نهاية بداية أخرى مع هدف جديد، كأن الحياة دولاب مستمر في الحركة، لذلك حتى و إن تمنينا أن نوقفه ولو لوهلة، قد تضيع منا أعز الأشياء، فلكل منا لحظة تمنى أنها لو لم تكن، تمنى لو لم تكن تلك هي شخصيته، لو لم يكن كذات منقادة بالعاطفة والعقل، فما كل هذه التأملات أهي تفاهة أم لحظة ضعف يحاول فيها الافرد إثبات العكس لنفسه، أهذا صراع؟…نعم صراع بين الحقيقة الحقيقية و الحقيقة الوهمية، صراع من الصعب النجاة منه، من الصعب تجاوزه دون الشعور بالخلان و الضياع، سؤال يتراود للذهن حاليا و لاحقا، هل ما نعيشه تفاصيله حقيقة؟ هل ما ندركه حقيقة؟ هل مشاعرنا تجاه الغير حقيقة؟ هل ذواتنا حقيقة؟ تكرر مصطلح الحقيقة مرات عديدة!…

 

راي المواطن/ *سلوى بنشباني*

 

لكن لا بد من طرح السؤال المحوري أو بالأحرى المركزي؛ هل الحقيقة حقيقية أم العكس؟…الحقيقة ككلمة، نتمعن في المغزى منها ، فهي دلالة على إدراك الخبايا و كشف ماهو مخبأ، ما هو مدفون تحت شظايا مكسرة و مبعثرة من الكذب و البهتان، فهي تفنيد لما هو مزيف، مصطنع للإقناع لا غير، لكن ماذا لو كان من المفروض علينا كأفراد أن نكذب على أنفسنا و مأن الوعي في حرب دامية أفكارها مع اللاوعي، كيف ستكون الحياة بعد ذلك، هل سنعيش كمرضى نفسيين، كمنفصمي الشخصية، كمضطربي الشخصية؟ إذا كان الأمر كذلك فكلنا مرضى!…

إذا؛ الواقع أن كل ننا اختلق لنفسه حقيقة نسجها و حاكها بطريقة تروقه و تنال إعجابه و تترك باله و ضميره مرتاحين و من ثم لا يرف له جفن، هذا ليس ضعفا، هذا تحمل للصدمات و خلق فرصة من كل أزمة لا العكس. و الدليل على أن كلا منا عند اكتشافه لحقيقة أقرب الناس إليه، يقوم بالتعامي عنها و كأن صوت الكذب غذره قبل البوح بالحقيقة، قلبه الذي لم يدرك الضعف من قبل، جعل شخصيته و ذاته و فردانيته تسقط ورقة خريف لبرهة، و للتصدي لهذا العجز يبدأ بخلق حقيقة شافية و معالجة له أو بالأحرى اختلاق سعادة مؤقتة، لأنها ستنقضي في يوم معين مهما دامت مدتها و مهما عمل جاهدا في تزيينها و إضافة لمسات من الواقعية المفنذة و الباطلة.خير برهان ، عند حلول منتصف الليل، ذاك الظلام الدامس، الحالك،…يدكر الانسان بجل معاناته و كأنه لم يبقى ساكنا للراحة و النوم، هناك من لا يحبد سواد السماء مخافة إرداك حقيقته الشبه مدفونة، لكن لحدها (قبرها) لم يحدد بل هي مازالت تسعى داخله، مرتبطة بشريانه، بفؤاده، بروحه، بنفسه عند كل تنهيدة، إلا أنها لا تكشف إلا وسط سكون الليل و عتمته و كأنها شعلة لا تنطفيء ، فجأة يمد فيها الانسان يده للصلح و التصالح مع الذات و هو ملبك و مأن على شفتيه كلام كثير يختنق تحت الضعف و النحيب، فيعود أدراجه باحثا عن حقيقة تقنعه طوال اليوم الموالي خائفا من إنقضائه و حلول الظلام ثانية، و كأنه محكوم بالإعدام بالرغم من حريته…؛ و المثال الأكثر وضوحا، عندما يتقابل كل منا مع مرآته، هل يفكر في شخصيته أم ملامحه،…هل نتقابل مع المرآة لتبرز الجمال الروحي أم السطحي؟…

هنا تكمن الحقيقة الموجودة خلف قطعة زجاج تكاد تعكس الوجه ألف مرة باللحظة نفسها، لحظة تشظيها إلى قطع، كما أن أول ما يلفت إنتباهنا لحظة الوقوف أمامها؛ هل سنروق إعجاب غيرنا؟ يعني حقيقتنا تكمن في مدى تقبل الغير لنا، كما أن مصطلح *الغير*يحمل من المعنى ما لا يعد و يحصى خاصة على مستوى الدلالة الفلسفية، لذلك فكل منا يبني لذاته قصرا من الافتئات، الافتراء، التضليل، التدجيل…تجعل الفرد راضيا عن نفسه، و هذا لا يكمن في كونه تزييف أو محاولة لتغذية الروح بل هو نوع من الضعف و هل هو ضعف شخصية حقا أم أنها أيضا حقيقة مزيفة. و النموذج الأخير، شاب أحب بخالص مشاعره و أصدق نيته، لكن اكتشف الحقيقة الكامنة وراء الحب الذي كانت تكنه له التي كانت تدعي عشقها لشخصيته و كيانه الصامد كجلمود الصخر، حتى أن هذا الأخير أصبح يائسا، فاقدا لطعم الصدق كأنه مضيع لمفتاح باب الراحة، كأنه عصفور كثرت جراحه، كأنه سجين مكبل المخيلة، وقف كبريء ينتظر صدور حكم إعدامه، أصابعه لم تعد تؤمن بحساب يوم حريته، صوته المتردد، المتجاهل للحديث، روحه المنجرحة، عقله الذابل و كأن أفكار الخيانة و الخذاع تتراقص بجوفه، لكنه نكمن من اختلاق حقيقة خففت من آلامه و ضمدت جراحه، تاركة أثارا سطحية و التي ما انفك أن توقفت عن النزيف، مختلقا لنفسه فكرة *تفاصيل عشتها و انتهت* لذلك فأحيانا وجب أن نختلق حقائق ترضينا و يكون الوقت إثرها هو الكفيل بالتخفيف عن ذواتنا بتفاصيلها المنشرحة، دون نسيان أن أرفع مميزات الزمن هي *النسيان*، لكن أحيانا يقف العجز عائقا، حيث يمكننا أن ننسى الشخصية المؤذية و لا ننسى الأذى الذي لحقنا.

خلاصة القول، الحقيقة الوحيدة، الواضحة، البينة، الكفيلة بالإقناع أن الله لا يفعل بالنفس إلا خيرا، فأصدق حقيقة محفورة في كل سطر من سطور كتابه عز وجل، فابحث عنها بمفردك و سافر بها في رحلة فردية، ستصل….. بقلم *سلوى بنشباني*

Comments (0)
Add Comment