أظنها رحلة طويلة بالحياة القصيرة التي تدرك فيها أن أسرع كلمة نطقا،هي أكبر أسرارها؛ألا و هي الموت، سواء إن ارتميت إلى أحضان أو بقيت على قيد الحياة…
رأي المواطن/ بقلم سلوى بنشباني
واقفا عند حافة الحياة… سأقوم بذلك، لن أقوم بذلك… حوار يختزل الذات الإنسانية كافة… ذات يخيم عليها إحساس التيه والحيرة… فجأة تتبرى منك أفكارك وتسقط طريحة الوهم، وهم تحاول الغوص فيه لتثبّت بحافز السقوط الذي اتخذته سبيلا للهروب ربما من فشل لحظي، حزن، ضعف… إذ تجد نفسك بدوامة كل من فيها لا يمت لك بصلة غير أنك تحاول التجرد من قيود كنت تلفقها بالمبادئ لكي تحسس كيانك الخاضع بالانتصار و
لجعله يذوق لذة سلطتك على ذاتك… إلا أن سلطتك هذه في مكنونها ليست إلا قيداً خارجياً وبعيدة كل البعد عن ما وضعه شخصك ليستمر في سلسلة اختيارات الحياة… وأنت واقف على تلك الحافة، تجد نفسك تغوص بعوالم الحرية المطلقة، فبمجرد ما يستوعب كيانك أنه أمام تجربة لحريته، يكون بوسعك فعل ما يحلو لك… التقدم للهاوية أو أن تبقى حيث أنت… ولم لا قد تعود أدراجك خاوي الوفاض جاهلاً لمنطلقك، ألا وهو التخلص من كل القيود. هذا راجع إليك. دعنا نخوض غمار هذه الكلمات وإحيائها بمخيلتك وكأنك تعيش اللحظة حقيقة، لا بد لكل شخص منا مكان يعتبره مرجعاً يذهب إليه كلما احتدت به أفكار الرسوب
واختلطت تعاليم هيكل مخططاته… ليس بالضرورة مكاناً جغرافياً، وإنما شخصاً قد شاخت به الحياة وانتقلت كامل تجاربه حتى غدا مرجعاً لغيره. صديقي، أنك رغم كل ذلك… رغم الآراء والمشاورات التي تجربها رغبة في إخماد ذلك الكم الهائل من الأفكار التي شكلت سيلاً جارفا بذهنك… ستجد نفسك في قمة الارتباك والحسرة، بداية يتصاعد داخلك الذعر لسبب غريب ألا وهو الرغبة في خفض تلك
الصرخة المدوية بدماغك… ومن ثم تمر للمرحلة الأصعب ألا وهي أن تتعمق في رغباتك لتحدد قرارك النهائي، وأي الطرق ستؤدي بك لهدفك المنشود… حقيقة، لحظة إدراكك أنك حر في تقرير مسار حياتك مدوخة أكثر من الشعور بالدوار… هذا ما وصفه كير كيغارد، الذي أكد على مرافقة الذعر والهلع للذات طوال حياتها ما دامت الحياة سلسلة قرارات… قرارات لا يمكن من خلال اتخاذها أن ندرك هل منحت معنى لحياتنا أم لم تقم بذلك… فبدلا من إلقاء المسؤولية على المجتمع أو الدين. يكون لكل فرد منا بتفكيره الأوحد عن غمس حياته بسياق سبق أن اختاره، وعاين صيرورته وسيرورته كذلك… كما أن فعاليته تمكن في ما استطاع تخطيه من صعوبات وهلوسات كادت تفقده مصداقية قدرته على اتخاذ القرارات كما ظن… إلا أن الحقيقة الأكثر دقة أنه كيفما كانت قراراته فهو خاضع أو بالمعنى الفصيح مقيد… مقيد بداية بسعيه خلف استنشاق
الحرية، وغزو أرضية أفكاره المقيّدة بنظرة المجتمع، بالتفكير الجماعي والديني. هذه الترضخات هدفها واحد ألا وهو إقناع الجوهر الذاتي أنه حر وفي واقع الأمر ما هي إلا محاولة نفض غبار القيود التي غدت مجهرية، تسبح في الجوف بل والأكثر من ذلك، غزت الحمض النووي و الخلايا الدماغية.
لنخرج من رتابة هذا المثال الواقعي و نغوص بعوالم الحب أيضا،إنه لمن العجيب ميل ذات عاقلة، واعية، مفكرة لذات ربما أغرتها العاطفة حتى صارت تشبهها بكينونتها،… فمنكم من هام بمحبوب أيقن بقيد الحب أنه لا شبيه له و لا ونيس لفؤاده بعده،هنا نقف حائرين!… هل فقد الأمل من البحث عن التعطر بالحرية أم أنه وجد حريته في حبه هذا و إن لقي الرفض في سبيله هذا، فما دافع الذات التي ستغدو مثلا لغيرها!
لو بحثنا قليلا لوجدنا ذاتها مقيدة بالحب مثلا يقيد الراعي الجمل…ما هذه التعقيدات؟ و ما هذه التباينات؟
تبحث عن الحرية في الحب فإذا بمن تحبه مقيد و هائم بعشق غيرك مؤمنا أنه يمارس سيطرته على قراراته و في نهاية المطاف تقف الذات أمام مرآة الضعف اللحظي الذي يجعلها تهب وقتها بأكمله، ربما للحديث الصامت المعبر عن طريق الكتابة لتبرر هذا الضياع،…انظر ما قد تفعله كلمة من حرفين بكيان لطالما بحث عن مدينة تضج بالمنتصرين
المزيفين عن قيودهم، إذ أن في بحثه هذا يجد نفسه محكوم، محكوم بالرغبة في الابتعاد، بالرغبة في مخالطة من أوهموا أنفسهم مثله تماما، إلى أي مدى و بأي قطار ستأخذنا هذه الرحلة!…
أظنها رحلة طويلة بالحياة القصيرة التي تدرك فيها أن أسرع كلمة نطقا،هي أكبر أسرارها؛ألا و هي الموت، سواء إن ارتميت إلى أحضان أو بقيت على قيد الحياة…
تأمل جيدا هذه العبارة و ستجد جوابك أيضا، تقوده رغبتك في إخماذ ذاك الفضول الفلسفي داخلك و حتى إن بررت ذلك بالرغبة في الاكتشاف إثر تأملك لتفاصيل جديدة،…فستجد نفسك خاضعا لأكبر مطمح لشتى البشرية ألا و هو ترك الأثر…ترك ما يشهد على كيانك و كينونتك.
دع سؤالنا هذا يخترق عوالمك الخيالية التي اختلقتها للفرار من واقع قد تجده متناقدا بكيفية متناغمة و سيبقى السؤال؛ لم تتلبسك رغبة ملحة في ترك أثر تقول به في كل زمان و مكان : مررت من حياتكم هذه و ضخ فؤادي دماء فلسفتكم هذه؟….