في أولويات خطاب الحركة الجديد: محاولة الإقناع

قبل وصول المغرب إلى ما وصل إليه، رصد العديد من الباحثين والمهتمين بالحقل الاجتماعي والسياسي والثقافي المغربي العديد من الاختلالات، تضمنتها تقارير وأبحاث ودراسات تحدثت عن نسب مهولة من المصابين بالأمراض النفسية، مثل الاكتئاب واضطرابات القلق، التي تشمل أمراضا خطيرة، كالرهاب والقلق المزمن والوسواس القهري، وعددهم 13 مليون مغربية ومغربي، وتوترات خطيرة ومظاهر التفكك الاجتماعي بسبب تزايد نسبة الفقر التي بلغت حوالي % 60 من ساكنة العالم القروي. أما بالنسبة لحصة المواطن المغربي من الناتج الداخلي فهو يعد ضعيفا للغاية ولا يتجاوز 4550 دولارا في السنة، في حين أن المعدل على الصعيد العربي يفوق 6700 دولار.

وبخصوص الأمية، لازالت هذه الآفة تنخر جسم المجتمع المغربي، حيث تقدر بـ61% لدى الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 50 عاما فما فوق، لاسيما بين النساء. وتجدر الإشارة كذلك إلى أن نسبة أمية الإناث تعادل 76.4% بالمائة، مقابل 45.6 % للذكور سنة 2014. كما تظهر نسبة الأمية فوارق بين الجهات وبين الوسطين الحضري والقروي.

وفي هذا الصدد أوضحت المندوبية السامية للتخطيط أن جهتا بني ملال- خنيفرة (38.7 بالمائة) ومراكش – آسفي (38 بالمائة) سجلتا أعلى معدل للأمية، تليهما جهة فاس – مكناس (35.2 بالمائة) وجهتا درعة – تافيلالت وسوس ماسة بنسبة 34 بالمائة.

ومن جهة أخرى، حدد التقرير الصادر عن مركز الأبحاث والدراسات حول المخدرات والبيئة، أن نسبة الشباب المغاربة الذين يتعاطون المخدرات بشكل يومي يصل إلى 26%.

إن هذه الأرقام جزء صغير من الأرقام الكبيرة التي تدلنا على استفحال العنف والبطالة ومظاهر الرشوة والفساد وتمركز الثروات في يد الأقلية، وغياب الرقابة العمومية والضوابط الاقتصادية والاجتماعية، والهروب من الشفافية والنزاهة.

فكيف يمكن أن نتحكم في مصيرنا، ونسير حياتنا نحو الأفضل؟.

إننا هنا لا نرصد الواقع من وجهة نظر إشهارية، رغم أهميتها، ولا نعمم اليأس ولا الصراعات التي قد تحدث بفعل مخطط أعداء الشعب المتآمرين على مصالحه، بل ما يهمنا هو أن نؤكد على بعض المسائل الأساسية والمفصلية، والتي تعتبر بحق مدخلا صالحا لمعالجة قضايا الشأن الوطني برمته من أجل بناء مغرب المستقبل. كما لا نريد أن نسقط في آلية التكرار، وآلية “الشعارات” على الواقع. وبقدر ما تشتد اللغة المتحمسة لنقد الواقع في البيانات والخطب، يغيب الخطاب المرتكز على الأبحاث والدراسات التي تتجه نحو الإمساك العلمي بفهم الواقع والتأثير فيه. وغالبا ما نلاحظ نسخ الخطابات السياسية لبعضها البعض، دون أي محاولة لمساءلة الأسس، أو نقد للمبادئ والأطروحات.

نحن نسجل هنا ظاهرة عامة، وحركة قادمون وقادرون – مغرب المستقبل، باعتبارها حركة اجتماعية تقدمية وديمقراطية، تعتبر نفسها معنية بدراسة الحياة الاجتماعية والجماعات والمجتمع، فهي لا تمتلك مشروعا مجتمعيا ولا برنامجا سياسيا، بل لها رؤى مذهلة وشديدة التعقيد، لأن موضوعها الأساسي هو المجتمع المغربي؛ ومن هنا فإن نطاق حركيتها الاجتماعية يتسع بالانتشار، ويتراوح بين اللقاءات التنظيمية والعلاقات الاستشارية وروابط الصداقة، دون أن ننسى في الوقت نفسه الإشارة إلى ملامح التباشير الفكرية التقدمية والديمقراطية التي بدأت تعيد النظر في أولويات المعتقد السياسي، وتساهم في بناء ممارسة جديدة تقطع مع المقاربات الكلاسيكية التي فقدت روحها.

إن الفهم الحركي الجديد الذي نريد الآن وغدا هو الفهم الذي يقودنا إلى إعادة النظر في العديد من المقدمات السياسية وأدواتها من أجل التأقلم مع الفضاءات العمومية التي أصبحت مركبة ومفرطة في التركيب، إلى درجة أنها باتت صعبة المنال والولوج.

كما تدعونا اليوم حركة قادمون وقادرون – مغرب المستقبل إلى الفعل والتصرف انطلاقا من معطيات حياتنا التي تتأثر تأثرا كبيرا بقوى اجتماعية وتاريخية. ومن هنا فإن فهم الطرق العميقة الخفية والمركبة هي التي حجبت عنا الرؤية لسنوات طويلة ما يجعلنا اليوم أمام سياقات جديدة تكتنف تجربتنا الاجتماعية، وهي التي نريد أن ننطلق منها اليوم لنؤسس تجربة جديدة قائمة على مبادرات اجتماعية وسياسية وثقافية ذات نزوع وحدوي متدرج نحو وحدة ناشطات ونشطاء قدامى وجدد، أحرار متساوين ومستقلين، وهو أحد اختياراتنا للتعاون والتنسيق والمواكبة، من أجل أفق رحب يستعيد قوته وتأثيره من خلال صيغ جديدة، ومن خلال نقد تجارب الماضي والحاضر، ومن خلال العمل العقلاني الدؤوب والمستمر، دون هرولة وراء الأوهام والسراب أو انفعال، ودون حرق للمراحل أو القفز فوقها.

 

اترك رد