المجلس الأعلى للسلطة القضائية يرد بقوة على جمعیة “أمنستي” ويرفض التأثير على القضاة في ملف الراضي

بلاغ

إن المجلس الأعلى للسلطة القضائیة، بعد اطلاعه على بلاغ
نشرته جمعیة “أمنستي” بعنوان “تحرك عاجل من أجل الإفراج عن
الصحفي عمر الراضي”، دعت فیه الأشخاص عبر العالم إلى إرسال
مناشدات للضغط على السلطات المغربیة من أجل الإفراج عنه. وقد
تضمن البلاغ العدید من المغالطات، التي تمس باستقلال القضاء
وتعطي الإنطباع بتحكم الحكومة فیه، وتحرض كذلك على التأثیر في
قراراته. كما أن البلاغ ضخم بعض الإجراءات القضائیة العادیة،
وسرد بعض الوقائع بطریقة كاریكاتوریة. وربط متابعة المعني
بالأمر بعمله الصحفي، خلافاً للحقائق المضمنة بالملفات القضائیة
وھو ما یستدعي من المجلس إیراد بعض الملاحظات المبدئیة:
أولا: محاولة التأثیر على القضاء، والمساس باستقلاله:
تضمن البیان مساساً صارخاً باستقلال القضاء، بالدعوة إلى توجیه
مناشدات مكثفة للضغط على رئیس الحكومة المغربیة من أجل
الإفراج عن السید عمر الراضي. وھو بذلك یتجاھل كون السلطة
القضائیة في المغرب مستقلة عن الحكومة، بمقتضى الفصل 107
من الدستور وأنه لا یحق لأي أحد التدخل في أحكام القضاة. وأن
المجلس الأعلى للسلطة القضائیة مؤتمن بمقتضى الفصل 109 من
الدستور والباب الثاني من القانون التنظیمي للمجلس، على حمایة
استقلال القضاء، ومنع التأثیر على القضاة في أحكامھم؛
كما أن البیان یدعو الأشخاص عبر العالم إلى توجیه المناشدات إلى
رئیس الحكومة المغربیة بتقدیم روایة مخالفة للحقیقة، تصور إجراء
محاكمة المعني بالأمر خارج سیاق القانون، لاستدرار تعاطف الأشخاص، من أجل الحصول على أكبر عدد من المناشدات
لاستغلالھا في ضغط إعلامي على القضاء. دون أن یستحضر
المساطر والإجراءات القانونیة التي تحكم العمل القضائي، ولا
مقتضیات المواثیق الدولیة المتعلقة بالمحاكمة العادلة التي تؤطر
مسطرة التقاضي بالمغرب. والتي تعتبر وحدھا الإطار المشروع
لمحاكمة الأشخاص، والتي تستند إلیھا المحاكم للبت في إدانتھم، أو
تبرئتھم.
ولذلك فإن مثل ھذا السلوك غیر جدیر بجمعیة حقوقیة
تستھدف الدفاع عن الحقوق والحریات المشروعة للأفراد
والجماعات. طالما أنه یدفع السلطات التنفیذیة من جھة، والأفراد من
جھة أخرى، إلى الضغط على القضاء من أجل إطلاق سراح شخص
یوجد رھن اعتقال احتیاطي في إطار عرض قضیته على محكمة
مستقلة عن الحكومة، ومحایدة، لا علاقة لھا بالانتماءات السیاسیة أو
الأیدیولوجیة للأطراف والحكومات والبرلمانات وغیرھا من
المؤسسات والمنظمات الأخرى.
ولذلك فإن المجلس یذكر، بأن الدفاع عن حقوق الإنسان، لا
یمكن أن یتم عبر التأثیر على القضاء ومحاولة إضعافه، وإنما بدعم
استقلاله، وتقویة الثقة فیه.

ثانیا: حقیقة المتابعات القضائیة:
خلافا لما روج له البیان، فإن المتابعة الجاریة في حق
السید عمر الراضي، لا علاقة لھا بكتاباته الصحافیة. وإنما تتعلق
باتھامه باغتصاب سیدة وھتك عرضھا بالعنف، بناء على شكایة ھذه
الأخیرة من جھة، والمس بسلامة الدولة الخارجیة بمباشرة اتصالات
مع عملاء سلطة أجنبیة بغرض الإضرار بالوضع الدیبلوماسي
للمغرب، من جھة ثانیة. وھي جرائم حق عام منصوص علیھا في
القانون الجنائي المغربي. یحقق فیھا باستقلال تام، أحد قضاة التحقیق لدى محكمة الاستئناف بالدارالبیضاء وفقا للقانون، الذي یوفر للمعني
بالأمر كل شروط المحاكمة العادلة. كما أن القانون ینص على سریة
التحقیق خلال ھذه المرحلة. واعتباراً لذلك، واحتراماً لقرینة البراءة
المقررة لفائدة المتھم، فإن المجلس یعزف عن توضیح وقائع القضیة
في ھذه المرحلة.
كما أن السید عمر الراضي سبق أن عرض على القضاء
مرتین. الأولى بسبب تدوینة نشرھا بحسابه الشخصي بتویتر، ھدد
فیھا أحد القضاة، وحرض على الاعتداء علیه بسبب حكم أصدره.
والثانیة بسبب مشاجرة وقعت بینه وھو في حالة سكر وبین أحد
أصدقائه من جھة، وشخص آخر من جھة ثانیة، تم خلالھا تبادل
العنف. وفي كل ھذه القضایا لم یكن لصفة المعني بالأمر كصحافي
ولا للمقالات التي كتبھا أو التحقیقات الصحافیة التي نشرھا، أي
محل في المتابعات القضائیة السابقة أو الجاریة. ولذلك یستغرب
المجلس إصرار البلاغ على التركیز على العمل الصحافي للمتھم
بدون مبرر.
ثالثا: الانتقادات الباطلة:
لاحظ المجلس أن بلاغ منظمة “امنستي” ركز بنوع من
الإسھاب على ذكر بعض التفاصیل العادیة في المساطر القضائیة،
واعتبارھا تجاوزات حقوقیة. مثل الحدیث عن استدعاء السید عمر
الراضي للبحث معه عدة مرات من قبل مصالح الشرطة القضائیة.
وھي إجراءات عادیة في مختلف الأنظمة القضائیة، حیث یمكن
استدعاء المشتبه فیھم عدة مرات للبحث حول مختلف الوقائع.
وبالنسبة للسید عمر الراضي، فإن كل الأبحاث التي خضع لھا قد
دونت في المحاضر الموجودة بالملف، والتي ستخضع لمراقبة
القضاء خلال المراحل المقبلة.
ویأسف المجلس الأعلى للسلطة القضائیة، أن یتم تشویه
بعض المعطیات المتعلقة بقضایا رائجة أمام القضاء، وشن حملات
إعلامیة لتعمیم معطیات غیر صحیحة أو مبثورة على الرأي العام
واستغلال سریة الأبحاث والتحقیقات القضائیة بسوء نیة، لتقدیم
القضایا للرأي العام خلافا لحقیقتھا المعروضة على القضاء. وھو ما
من شأنه أن یؤثر على سمعة القضاء ویضعف الثقة في قراراته.
كما یدعو المجلس منظمة العفو الدولیة “أمنستي” إلى الابتعاد عن
التدخل في قراراته وأحكامه، ویؤكد – إذا كان الأمر یحتاج إلى
تأكید- أنه سیظل حریصاً على الإضطلاع بواجبه الدستوري في
حمایة استقلال القضاء، ورفض كل تدخل في مقرراته. كما یدعو
القضاة إلى التمسك باستقلالھم وعدم الرضوخ للتأثیرات غیر
المشروعة التي قد تمارس علیھم وأیا كان مصدرھا. والاستناد في
أحكامھم للقانون ومبادئ العدالة والإنصاف. واحترام حقوق
الأطراف وتوفیر كل شروط المحاكمة العادلة لھم.

وحرر بالرباط 14 شتنبر

اترك رد