حاويات تحترق ومدينة تختنق

بواسطة:خليل لغنيمي

جريدةرأي المواطن. 

في الوقت الذي يُفترض أن تكون فيه عاشوراء مناسبة للفرح الروحي، وتجديد الروابط الاجتماعية في أجواء من البهجة والتسامح، تشهد عدد من المدن المغربية، وعلى رأسها مدينة الجديدة، مشاهد عبثية وصادمة، لا تمتّ بصلة لا للفرح ولا للقيم الثقافية أو الدينية. شباب وأطفال يعمدون إلى إشعال النيران في حاويات الأزبال، كسر الممتلكات العامة، وإغراق الشوارع في الفوضى والدخان، في سلوك جماعي غير مبرر يُهدد النظام العام، ويطرح سؤالًا جوهريًا: عن أي مجتمع نتحدث؟

إنّ الحاوية التي تُحرق ليست مجرّد قطعة بلاستيكية، بل رمز حضاري للنظافة، وجزء من نظام بيئي متكامل، واستثمار من المال العام، وسهر وتعب يومي لعمال النظافة الذين يشتغلون في ظروف قاسية، ليلًا ونهارًا. كل حاوية تُحرق هي خدمة تتعطل، وحيّ يُترك للنفايات، وساكنة تدفع ثمن التهور والعشوائية واللاوعي.

ما يُسمّى “احتفالًا” بهذه الطريقة لا علاقة له لا بالفرح ولا بالتراث. لا الدين يُجيزه، ولا الفطرة تتقبله، ولا القانون يسكت عنه. نحن أمام سلوك يُجسد غيابًا عميقًا للوعي الجماعي، وخللًا في التنشئة، وفشلًا في ترسيخ القيم، سواء داخل الأسرة أو المدرسة أو الفضاء العمومي.

لا يمكن أن نلوم الأطفال فقط. المسؤولية جماعية ومتداخلة: أسر استقالت من دورها التربوي، واعتبرت أن الشارع هو من يربي ويؤطر. مؤسسات تعليمية ابتعدت عن أدوارها التوعوية، واكتفت بتلقين نظري لا يُخاطب الواقع. مجالس جماعية تشتغل بمنطق تدبيري تقني، دون استثمار في حملات تحسيسية أو برامج إدماج بيئي حقيقي. وغياب تطبيق صارم للقانون، في ظل غياب العقوبات الرادعة.

نحن لا نحتاج فقط إلى تغيير الحاويات المحروقة، بل إلى تغيير الذهنية. نحتاج إلى حملات توعية متواصلة، تربط المواطن بمدينة نظيفة، وتزرع فيه روح المسؤولية. نحتاج إلى فرق شبابية مواطنة، تساهم في حماية الحي والفضاءات العمومية. ونحتاج إلى قانون يُطبّق، لأن التساهل مع التخريب اليوم، سيكلّفنا انهيارًا أكبر غدًا.

ما يحدث ليس مجرد فوضى موسمية، بل مؤشر على أزمة قيم حقيقية. لهذا، وجب علينا جميعًا – مؤسسات، مجالس، مجتمع مدني، أسر، وإعلام – أن ننهض ونقول: كفى!
فالاحتفال لا يجب أن يكون على أنقاض النظام، والفرحة لا تعني حرق المدينة.
إما أن نسترجع روح المواطنة، أو سنواصل العيش وسط رماد الحاويات، ولهيب اللا مبالاة.

اترك رد